lundi 5 août 2013

صفاقس رائحة الشرمولة تغزو أحياء المدينة



سكان صفاقس تعوّدوا منذ مئات السنين على تناول طبق الشرمولة الذي هو عبارة عن خليط من البصل والزبيب وزيت الزيتونة ويجري استهلاكه إلى جانب السمك المملح وذلك خلال صباح يوم العيد وقبل الانطلاقة لمعايدة الأقارب والأحباب. ويرجع المؤرخون هذا الطبق العجيب إلى العهد الروماني، في حين ينسبه البعض الآخر إلى العائلات التركية الوافدة على تونس. ويقول المؤرخان يوسف الشرفي وعلي الزواري في مؤلفهما «معجم الكلمات والتقاليد الشعبية في صفاقس» انه عند إعداد طبق «الشرمولة» يتوجب «قلي كميات وافرة من البصل في الزيت ثم إضافة مربّى أو عصير الزبيب المنقى وبعض التوابل مثل شوش الورد والقرفة .. ويترك الخليط فوق نار هادئة لساعات طويلة حتى يكتسب نكهة مميزة..».
وتتزين المائدة في مدينة صفاقس بأطباق «الشرمولة» ذات اللون البني أو الأصفر والحوت ـ أي السمك ـ المالح ذي اللون الناصع البياض، ويصار إلى تناولها مع أرغفة الخبز، إلى جانب المشروبات الغازية التي عادة ما تكون حاضرة في مثل هذه المناسبات مع الشرمولة و«الحوت المملح». ويعتقد سكان مدينة صفاقس أن اتباع هذا النظام الغذائي طوال الأيام الأولى التي تلي شهر رمضان على الأقل، يساعد على تطهير الأمعاء والمعدة من الغازات، وتهيئتها بصفة تدريجية لاستئناف نشاطها الهضمي العادي بعدما دأبت خلال رمضان على مواعيد مختلفة لتناول الوجبات الغذائية.
هذا، وتقوم ربات البيوت قبل يومين من نهاية شهر الصيام بوضع الأسماك المملحة في إناء من الماء حتى تتقلص كميات الملح. ثم تنظفها يوم العيد وتضعها في قدر من الماء فوق نار هادئة إلى أن تنضج. وتتولى بعد ذلك تقديم قطع «الحوت المالح» إلى أفراد العائلة مع «الشرمولة». وغالباً ما يقع الاختيار على نوع بعينه من الخبز يطلق عليه تسمية «المبسوط» الذي هو عبارة عن نوع من الخبز تعده ربات البيوت بأنفسهن، وهو يتكوّن بالأساس من السميد والماء والخميرة ومادة السينوج.
وتختلف «شرمولة» مدينة صفاقس عن «شرمولة» بعض المناطق الأخرى المجاورة كجزر قرقنة وجزيرة جربة ـ في الأساس ـ، او «شرمولة» مناطق شمال البلاد كالعاصمة تونس ومدينة بنزرت. كذلك من العادة تناول «الشرمولة» مع الأسماك المملحة التي عادة ما تكون كبيرة الحجم مثل «المناني» و«الكرشو» و«الغزال» و«الشلبوط». وقد اضطرت السلطات التونسية لاستيراد كميات من أسماك «البكلاو» من النرويج والبرتغال للإيفاء بالحاجيات المتزايدة من هذه الأسماك.
وتمثل «الشرمولة» والسمك المقلي الطبق الرئيسي، بالذات، لأغلب سكان جزيرة جربة، الواقعة على بعد قرابة 450 كلم إلى جنوب العاصمة. فـ«شرمولة» جربة تختلف في مكوّناتها عن بقية أطباق «الشرمولة» في المناطق الأخرى، وهي عبارة عن مرق البصل والطماطم والفلفل الأحمر والزيت والملح. أما الأسماك فيجري قليها بإضافة الكركم والكمّون والملح قبل العيد بيوم واحد. ويتناول سكان الجزيرة طبق «الشرمولة» إلى جانب خبز اصفر اللون يصنع في المنازل ويسميه الأهالي «كسرة»، وهو مصنوع من مادة الفارينة.
وفي أقصى شمال تونس، تعد مدينة بنزرت (60 كلم عن العاصمة) أسماك «القاروص» و«الوراطة» و«المرجان» وتتناولها العائلة خلال اليوم الأول من أيام العيد. وتضيف بعض العائلات الأخرى طبق «المدفونة» بسيقان الضأن أو رأس الضأن كوجبة غذائية خلال اليوم الثاني بالإضافة لـ«الطبيخة» وهي عبارة عن مرق الخضار المتنوعة المخلوطة بالبقول وذلك خلال اليوم الثالث من أيام العيد.